لم يتجاوز حسن تاج الدين الثلاثين من عمره و مع ذلك ف”الدكتور” يشغل اليوم منصب المدير التنفيذي ل”تاجكو” للعقارات, إحدى أبرز الشركات اللبنانية نمواً و تطوراً و هو يملك شركة “دوللي” للبرمجة الإلكترونية, و يترأس التكتل اللبناني الإقتصادي. أقل ما يقال في رجل الأعمال الشاب و الطموح أنه قصة نجاح جميلة, مجبولة بالعلم و المثابرة, بدأها موظفاً في معمل للدهانات, وصولاً إلى المنصة الرفيعة التي يشغلها اليوم. حوارٌ شيّق و شامل عن حاضر القطاع العقاري في لبنان و مستقبله مع شاب تمرّس في هذا المجال, و نال بسرعة العديد من العضويات و المراكز و الأوسمة المرموقة.
لم تمرّ الأزمة الإقتصادية و الأمنية في البلد من دون أن تلقي بتداعياتها على القطاع العقاري الذي حاول البقاء متماسكاً قدر المستطاع. فعلى رغم الظروف التي تحيط بالمنطقة عامة, و بلبنان على وجه الخصوص, نجح هذا القطاع في الصمود. و تفاؤل المدير التنفيذي لشركة “تاجكو”, الدكتور حسن تاج الدين, يعطي الأمل لللبنانيين و الشباب بإمكانية التملك في بلدهم مهما كانت الظروف. فلبنان تعوّد على النهوض بعد كل أزمة, و القروض المصرفية المدعومة كانت بمثابة يد العون لمساعدة الشاب اللبناني في تملّك بيت له. و يعتبر تاج الدين أن انتعاش القطاع العقاري مرتبط بالإستقرار الأمني الذي يعتبر البوابة المهمة لتطور القطاع و حزام أمان للبنان.
مع تاج الدين كان لنا الحوار التالي:
إلى أي مدى يؤثّر تطور النشاط العقاري في أسعار مواد البناء في لبنان؟
مما لا شك فيه أن أسعار مواد البناء تتأثر في شكل مباشر بنشاط القطاع العقاري, إذ أنها تعكس واقع العرض و الطلب الناشط فعلياً في السنوات الماضية, و تشير الإحصاءات إلى ارتفاع تسليمات الإسمنت بنسبة %20.20 خلال نيسان عام 2014 إلى 501,151 طن, من 416,946 طن في آذار, إلا أن الأسعار حافظت على استقرارها. فقد زاد استهلاك الإسمنت بصورة مفاجئة في 2013 بنحو %13.5, بعدما تراجع 10 في المئة في العام السابق, بما يوشر إلى نشاط ملحوظ في القطاع, و يشير ذلك إلى تحسّن سوق البناء العقاري, و تطور تسليمات الإسمنت يعكس ديناميكية القطاع العقاري اللبناني خلال السنوات القليلة المنصرمة. نحن نأمل أن لا ترتفع هذه الأسعار مع زيادة الطلب عليها, بل على العكس تماماً.
كيف تفسّر تأرجح عدد رخص البناء في السنوات الثلاثة الماضية؟
تظهر الإحصاءات تحسناً في أداء القطاع العقاري في لبنان خلال نيسان 2014, مع تسجيل ارتفاع في عدد المعاملات العقارية إلى 6204 معاملة, مقارنة مع 5556 معاملة في أذار, أي بما نسبته %11,6 في النصف الأول من العام الجاري. و على رغم تراجع عدد رخص البناء في العام الماضي, نتيجة القرارات الرسمية التي اتخذتها الدولة و الأوضاع الأمنية و الإقتصادية السائدة و تعديات السكان, إلا أن هذا العدد عاد ليرتفع في النصف الأول من هذا العام نتيجة تفوّق الطلب على العرض, و رغبة اللبنانيين في البناء و التملّك في بلادهم على رغم الأوضاع السائدة, إذ يشهد العام الجاري إرتفاعاً في مساحات البناء المرخّص لها في لبنان, و التي تعكس توقعات مستوى العرض في القطاع العقاري إلى 953,941 متراً مربعاً خلال شباط 2014, مقارنة ب822,020 متراً مربعاً في كانون الثاني 2014.
كيف تقيّم إجراءات مصرف لبنان الهادفة إلى دعم قروض الإسكان, و إلى أي مدى سيشكّل هذا الأمر حافزاً لتنشيط الحركة في السوق العقارية؟
أولاً أود أن أتوجه بالشكر إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لدعمه لهذا القطاع, فقد أثبت معرفته في قيادة سفينة الإقتصاد اللبناني إلى شاطئ الأمان, و عرف بحنكته المعهودة كيف يوجد حوافز لكل لبناني لا قدرة شرائية كبيرة لديه ليؤمّن له من خلال مصرف الإسكان منزلاً عبر من نقدّمه من التسهيلات.
و بحسب تاج الدين:” إن متوسط نمو القروض السكنية ناهز %40 خلال السنوات الخمس الماضية”, موضحاَ أن “محفظة القروض السكنية تنمو بحدوج المليار و النصف مليار دولار كل سنة, بحيث أصبحت تمثّل 8,6 مليارات دولار في نهاية 2013”. و لفت الإنتباه إلى أن “نسبة التعثر في القروض السكنية لا تتعدى 0,5 في المئة من إجمالي القروض”.
و في رزمة مصرف لبنان لهذا العام, أضاف تاج الدين: “لقد جرى تمويل بمقدار 800 مليون دولار, مخصصة بنسبة %60 منها للقطاع السكني أيضاً, و ذلك اقتناعاً من حاكمية مصرف لبنان بأهمية الإستقرار الإجتماعي الذي يؤثر بدوره إيجابياً على الإستقرار المعيشي و الأمني”.
تأثرت حركة الإستثمار الأجنبية في ظل الظروف الأمنية و الإقتصادية الراهنة في البلاد بشكل ملحوظ. كيف تترجم هذا التغيير على أرض الواقع؟
نتيجة للوضع الغير مستقر في المنطقة, و تداعيات الأزمة السورية, تراجعت تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر إلى لبنان مقارنة بالعام الماضي, إذ سجلت 2.83 مليار ليرة لبنانية, بتراجع %26.6 عن المعدلات المسجلة في العام 2012 مع تسجيل تراجع في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1,5 في المئة. و على رغم هذا التراجع, لم تتوقف الإستثمارات الأجنبية المباشرة, حيث أُطلق العديد من المشاريع في لبنان في قطاعات مختلفة, لا سيما في تكنولوجيا المعلومات و الإتصالات و الصناعات الغذائية. و هذا التراجع في أرقام الإستثمار الأجنبي المباشر يعود إلى التراجع الكبير في تدفق الإستثمارات الخليجية إلى قطاع العقار اللبناني. و نحن نأمل أن تستقر أوضاع البلاد لكي يُعاد ضخ الإستثمارات الأجنبية في لبنان, و التي تُعتبر الحجر الأساس في تطوّر هذا القطاع و ازدهاره.
إلى أين تتجه أسعار الأراضي في لبنان؟ ز كيف نقرأ هذا التغيير في ظل الأزمات الراهنة؟
إن بيع و شراء الأراضي العقارية في لبنان لم يتأثر بالوضع القائم, بل بقيت الأسعار على ما هي عليه بشكل عام على رغم الظروف الراهنة في البلد. إذ حافظت بعض المناطق على أسعارها, و أخرى ارتفع ثمن الأراضي فيها. فداخل مدينة بيروت مثلاً, نلحظ ثباتاً في أسعار الأراضي, بينما هناك ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الأراضي الموجودة خارج بيروت بفعل رغبة السكان بالإبتعاد عن المدينة. و الجدير ذكره أنه في حال استقرار الأوضاع الأمنية, سترتفع أسعار العقارات بنسبة %15 نتيجة ندرة الأراضي في المنطقة.
و اختتم تاج الدين: “إن صمود الأسعار عند مستواها, و استمرار حركة القروض المصرفي للمطوّرين العقاريين, و استحصالهم على رخص بناء جديدة, يؤكّد أن الجميع ينتظرون أياماً أفضل, لا بل يراهنون على تحسن الظروف. و نحن نأمل أن تتحسّن الظروف الأمنية و الإقتصادية و يعود الأمن و الأمان إلى المنطقة”.